في نقلة نوعية تُجسد توجه الدولة المصرية نحو الرقمنة وتوظيف التقنيات الحديثة في التخطيط والإدارة، جاء افتتاح مجمع الذكاء المكاني المتقدم بمحافظة المنيا، كأول منشأة متكاملة من نوعها على مستوى الجمهورية، تجمع بين الذكاء الاصطناعي، ونظم المعلومات الجغرافية، والاستشعار عن بعد في منظومة واحدة دقيقة وذكية.

هذا المجمع ليس مجرد مبنى تقني؛ بل هو منصة وطنية متطورة تعيد صياغة مفهوم اتخاذ القرار، وتمنح الجهات التنفيذية أدوات غير مسبوقة لدراسة الواقع المكاني بدقة متناهية، بما يدعم جهود التنمية المستدامة ويوفر الوقت والتكلفة.

منظومة متكاملة لخدمة التنمية والتخطيط العمراني

يمثل المجمع بنية معلوماتية متطورة قادرة على تكامل وتحليل البيانات المكانية عبر أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية، مما يُسهم في دعم مشاريع التخطيط العمراني والبنية التحتية، ورسم خريطة مستقبلية دقيقة لتوزيع الخدمات والمرافق في مختلف مناطق المحافظة.

ويأتي ذلك تماشيًا مع رؤية مصر 2030 للتحول الرقمي، حيث لم يعد الاعتماد على التخمين أو البيانات الورقية مجديًا في عالم سريع الإيقاع يتطلب قرارات قائمة على معلومات حقيقية، وآنية، ومتكاملة.

ستة مراكز متخصصة تحت سقف واحد

يضم مجمع الذكاء المكاني بالمنيا ستة مراكز تعمل بتناسق تقني واحترافي عالي، لكل منها دور فريد في تغطية الجوانب المختلفة من منظومة الإدارة الذكية:

1. مركز البنية المعلوماتية: لتجميع وربط قواعد البيانات المكانية بكفاءة عالية.
2. مركز شبكات المرافق والرفع المساحي: لرصد البنية التحتية تحت سطح الأرض والتحقق من صلاحيات الحفر والبناء.
3. مركز إعداد الكوادر البشرية: لتأهيل الكفاءات المحلية على استخدام أدوات الذكاء المكاني.
4. مركز البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات: لتطوير التطبيقات الذكية التي تسهّل تحليل البيانات.
5. مركز الاستشعار عن بُعد: لتحليل صور الأقمار الصناعية والتعرف على التغيرات البيئية والعمرانية.
6. مركز الحاسبات فائقة الأداء: لتشغيل النماذج المعقدة ومعالجة كميات ضخمة من المعلومات بسرعة فائقة.

خدمات ذكية للمواطنين والجهات التنفيذية

يقدّم المجمع باقة واسعة من الخدمات الذكية التي تمس حياة المواطنين والمستثمرين مباشرة، مثل:

• الرفع المساحي الدقيق لاستخراج تراخيص البناء والمحال العامة.
• إصدار شهادات المنسوب من مستوى سطح البحر ضمن ملفات التصالح.
• الكشف عن المرافق العامة وتحديد مواقعها بدقة قبل أعمال الحفر.
• إصدار شهادات عمر المباني باستخدام صور الأقمار الصناعية.
• الرفع المساحي لقطع الأراضي بغرض التقنين.
• التدريب على أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتحليل المكاني.

المنيا.. بوابة الذكاء المكاني في صعيد مصر

اختيار محافظة المنيا ليكون بها أول مجمع للذكاء المكاني في مصر لم يكن مصادفة، بل جاء نتيجة موقعها الاستراتيجي، وتوسعها العمراني الملحوظ، وحاجتها إلى آليات تقنية متطورة لضبط التوسع العمراني وحماية البنية التحتية.

ويُمثّل المجمع نموذجًا يحتذى به في إحكام السيطرة المعلوماتية على مختلف المناطق، مما يوفّر قاعدة بيانات دقيقة، تُسهم في اتخاذ قرارات قائمة على التحليل وليس الحدس، وتُقلل من الهدر في الموارد أو حدوث أضرار غير مقصودة أثناء التنفيذ.

عندما تتحول البيانات إلى قرارات

إن مجمع الذكاء المكاني بالمنيا هو عنوان مرحلة جديدة تدخلها الدولة المصرية بثقة، تعتمد فيها على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجغرافية المتقدمة، لخلق بيئة عمرانية ذكية، مستدامة، وآمنة. وما كان يُعد خيالًا علميًا قبل سنوات، أصبح اليوم واقعًا ملموسًا، تتحرك به محافظة المنيا بثبات نحو المستقبل.