في زمن تسابق فيه العدسات على اقتناص اللحظات، وفي خضم مشاهد الإزالات الصارمة التي تملأ الشوارع والقلوب بالتوتر، لم تكن تلك اللفتة لتُرصد، لولا أن سُجّلت في ذاكرة من عايشوها.

في شارع 6 أكتوبر بمدينة المنيا، حيث كانت الجرافات تزيل أحد المباني المخالفة، وقف رجل بسيط يبيع قوت يومه أمام السور الذي لم يعد له وجود، كان البائع قد خسر مكانه الوحيد، ولم يكن يملك حيلةً سوى أن يرفع عينيه للسماء، ثم للمحافظ الذي تصادف مروره وسط الحملة.

اقترب منه اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، بابتسامة لا تخلو من ألم المسؤولية، سمع شكوى الرجل باهتمام صادق، لم يُكثر من الكلام، ولم يدعُ أحدًا لتوثيق المشهد، فقط، قرر صرف مبلغ 10 آلاف جنيه للرجل، ورفض توثيقها من خلال المكتب الإعلامي أو الصحفيين المتواجدين وقال لكل من أراد تصوير وتوثيق المشهد: "هذه حسنة خفية.. لوجه الله .. لا أريد تصويرها".

لا كاميرات، ولا تصفيق، ولا استعراض، مجرد إنسان شعر بمحنة إنسان آخر، وتصرف كما لو كان أبًا قبل أن يكون مسؤولًا.

هذه اللفتة الإنسانية لم تكن فقط تصرفًا فرديًا نبيلاً، بل كانت رسالة صامتة تنطق بالرحمة: أن الدولة لا تهدف إلى الهدم من أجل الهدم، بل تُنفذ القانون، وتُقدّر الاحتياج، وتُعين من يستحق.

وفي زمن يُقاس فيه النجاح بالأرقام والصور، اختار المحافظ أن يكون بطلاً خلف الكواليس.. فـما لم ترصده الكاميرا، رصدته القلوب.