في زمن تُختزل فيه الإنجازات أحيانًا في قرارات على الورق، اختار اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، أن يكتب سطرًا مختلفًا بلغة الفعل لا القول. 

لم يحمل شعارات براقة، بل حمل هموم الناس في قلبه، وخرج بمبادرة جريئة استهدفت أكثر الأماكن التصاقًا بحياة المواطنين: وسائل المواصلات.

كانت رؤيته واضحة: لا كرامة لإنسان في وسيلة نقل لا تحفظ له آدميته. ومن هنا، انطلقت مبادرة استبدال سيارات "البيك أب" العشوائية بسيارات ميكروباص حديثة، نظيفة ومنظمة، تُعيد للنقل هيبته، وللمواطن احترامه، وللشارع النظام الذي غاب طويلًا.

لم يكن الطريق سهلاً؛ فالتغيير دائمًا يواجهه ارتياب، وتثقل كاهله التحديات الاقتصادية. لكن المحافظ لم يتراجع، بل تقدّم بخطوات ثابتة، يُمسك بزمام التفاصيل بنفسه، يستمع، يناقش، ويقود المشهد من الميدان لا من خلف المكاتب.

ولأن النجاح يُلهم، لم تتوقف المبادرة عند حدود العمل التنفيذي، بل فتحت بابًا لحراك مجتمعي نادر، حين لمس المواطن الفرق، وشعر أن ما يحدث ليس تجميلاً شكليًا، بل تغييرًا يمس جوهر حياته اليومية. وسرعان ما تجاوب عدد من رجال الأعمال الوطنيين، فبادروا بتوفير سيارات ميكروباص حديثة على نفقتهم الخاصة، إيمانًا بفكرة أن الشارع مسؤولية الجميع، وأن تحسينه ليس واجب الحكومة وحدها، بل دور مجتمعي مشترك.

المنيا اليوم تشهد تحولًا ملموسًا، لا في نوعية السيارات فقط، بل في روح المدينة. شارعٌ أكثر نظامًا، ووجوهٌ أقل توترًا، ومواطنٌ يركب في هدوء مركبة تحفظ إنسانيته، والفضل أولًا لقائد رأى ما لا يراه الكثيرون: أن الحضارة تبدأ من التفاصيل الصغيرة.

لقد رسخ اللواء عماد كدواني درسًا مهمًا: أن الإدارة ليست فقط حُسن التخطيط، بل أيضًا القدرة على الإلهام. فقد ألهم رجال الأعمال، وحفّز المجتمع، ووضع المنيا على بداية طريق جديد يمكن أن يُحتذى به في باقي المحافظات، لو توفرت النية، ووجد القادة الشجعان.