في قلب صعيد مصر، حيث تختبئ الحكايات البسيطة خلف جدران البيوت الطينية، كانت قرية برطباط بمركز مغاغة على موعد مع لحظة استثنائية، لحظة تتجاوز حدود المبادرات الرسمية لتسكن في ذاكرة الإنسانية.

في أحد أركان القافلة الطبية المجانية التي نُظّمت لتخفيف معاناة أهالي القرية، جلست سيدة تدعى بدر صباح عبد الجواد، ترتدي ثوبًا من التعب، وتحمل فوق كتفيها أحمالًا من الألم والسنين. جاءت فقط بحثًا عن دواء، عن راحة من علةٍ أرهقتها، لكنها عادت بشيء أغلى من الدواء... عادت بوعد.

وبينما كانت القافلة تؤدي مهمتها النبيلة، وصل اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، يتفقد الخدمات، يمر بين الناس، يصافحهم بعين فيها دفء، وأذن تنصت قبل أن ترد.

اقترب المحافظ من السيدة بدر، سألها عن حالها، فبادرت بكلمات خرجت من القلب:

"أنا نفسي أروح عمرة"، صمت بسيط غلّفه التأثر، ثم جاءت كلمات المحافظ بوضوح وثقة: "وعد شرف.. أطلعك عمرة بعد موسم الحج."

لم يكن مجرد رد عابر، بل كان موقفًا إنسانيًا خالصًا، تخلّى فيه المسؤول عن الرسميات، وتقمّص دور الإنسان، الذي يسمع ويشعر، ويستجيب.

نظرت إليه السيدة بدر بذهول، وكأنها لم تصدق أن حلمها القديم الذي طالما خبأته في قلبها قد أصبح الآن وعدًا، لا من فاعل خير خفي، بل من محافظ جاء ليستمع ويحقق.

المشهد لم يكن مسرحيًا، لم تصنعه الكاميرات، بل صنعته النية الطيبة والإنصات الحقيقي، ففي لحظة واحدة، تحوّل لقاء عابر إلى قصة تُروى، وارتقى الموقف من روتين إداري إلى لحظة إنسانية نادرة.

وغادرت بدر القافلة، لا تحمل فقط وصفة طبية، بل تحمل معها رجاءً تحقق، وكرامة مُصانة، وابتسامة لم تعرف طريقها إلى وجهها منذ زمن.

وهكذا، لم يكن اللواء عماد كدواني مجرد مسؤول حضر فعالية، بل كان إنسانًا انتصر للمشاعر قبل القرارات، وأثبت أن الكلمة الطيبة قد تكون أحيانًا أعظم من الدواء.